top of page
Search

أكبر من الخوف!


 

 

 

الخوف هو شعور دنيوي. كل انسان سيشعر به في لحظة من لحظات حياته في هذه الدنيا. و لذلك يُطمئن الله أوليائه في القرآن الكريم و يقول في أكثر من آية (ولا خوفٌ عليهم و لا هم يحزنون) أي أن أنصار الله لا يخافون في الآخرة، و لا يحزنون على ما فاتهم في الدنيا. و هذا نوع من طمأنة الله للناس، حيث ستكون الحياة الآخرة بلا خوف و لا حزن للمؤمنين.

 و الخوف متفاوت من الخشية و الجزع و الذهول و السكر إلى الهلع و الذعر و الرعب. و أصبح للخوف أنواع، خاصة مع تطور العلوم الصحية و النفسية و الاجتماعية في عصرنا، و التي حللت و درست حالات (التوتر) و (القلق) التي يُصاب بها الانسان و التي تكون ناتجة في الأصل عن خوف شعر به الانسان. فالتوتر هو عبارة عن مشاعر خوف يشعر بها الانسان بشكل مؤقت في موقف ما لسبب أو بدون سبب، مثل عند تقديم المرء لعرض تقديمي في مكان عمله، و قبل الحديث علناً و جهراً أمام زملائه، أو عند ذهاب الطفل لمدرسته التي ارتادها في العام الماضي، فقد يصيب الطفل التوتر على الرغم بأنه يعرف المدرسة و المعلمين و أصدقائه فيها.

أما القلق فهو ابن التوتر. يكبر القلق و يصبح مرض نفسي حقيقي للإنسان في ظل وجود التوتر المستمر. فالإنسان و مع كثرة شعوره بالتوتر يصبح قلق، يزوره الخوف طوال الوقت لسبب و دون سبب. أي أن إحساس الانسان بالتوتر من وقت لآخر هو شعور طبيعي.. و لكن إحساس الانسان بالقلق هو شعور غير طبيعي أو صحي و مزعج لأن شعور الخوف شعور مزعج و لا يريد أحد أن يشعر به أو أن يخالجه طوال الوقت.

في كتاب (الخوف) للراهب الفيتنامي تيك نات هان، يعطي الكاتب نصائح و طرق عملية للتخلص من مشاعر الخوف التي تصيب الانسان. أهمها بأن على الانسان في حالة الشعور بالخوف، ألا يحارب هذا الشعور و يقاومه، بل يجب عليه أن يتقبل و يشعر بكل وجه منه حتى يمر الشعور منه بنفسه. خاصة و ان الانسان إذا ما قاوم شعور الخوف فإنه سيزداد و يكبر و يستمر معه لمدة أطول. أما إذا ما شعر به و تركه يأخذ حيزه بنفسه، فإنه سيختفي بنفسه. أي أن بتسليم المرء نفسه لمشاعره.. سيتحرر منها. و هذا يأخذني إلى آية عظيمة في القرآن، قال الله تعالى فيها: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} القصص (٧). في هذه الآية يقول الله تعالى لأم النبي موسى إذا خفت على ولدك ألقيه في اليم! أي قوة هذه و أي توجيه هذا! و هنا يتدبر الشعراوي رحمه الله هذه الآية القرآنية التي فيها وحي و اشارة لأم موسى، و لكنها أيضاً درس دنيوي رائع للناس. يقول الله فيها.. إذا خفتم من الشيء افعلوه.. سلموا أمركم إلى الله و افعلوه.. لا تستلموا لمشاعر الخوف و تنكمشوا و تتراجعوا.. بل توكلوا على الله و أقدموا على الأمر الذي تخافونه بقوة و اندفاع. اشعروا بمشاعر الخوف و افعلوا ما تخافونه على كل حال!

الخوف من المشاعر الطبيعية التي ستمر على كل انسان في مرحلة من مراحل حياته. علينا ألا نهرب منه و أن نواجهه بالتسليم به كشعور سيمر عبرنا و يمضي.. و في خضم عبوره يجب ألا نجعله حاكم لحياتنا.. و ألا يمنعنا خوفنا من المضي وراء رغباتنا و أحلامنا، فالإنسان أكبر من الخوف!

 


جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق



 
 
 

Recent Posts

See All
ليلة ضحك و دموع

الانسان عبارة عن كتلة مشاعر وطاقة تحتاج إلى التفريغ من حين لحين آخر. ولذلك يضحك الانسان ويغضب ويبكي ويتذمر ويتحدث مع الآخرين. أو مع نفسه!...

 
 
 
سبب نجاح العلاقات!

يتناول مسلسل (TELL ME YOU LOVE ME) العلاقات العاطفية لمجموعة من الأزواج بطريقة تحليلية لمشاكلهم اليومية والمتراكمة. و ما أعجبني في...

 
 
 
ثورة الجامعات الامريكية!

ما بدأ الأسبوع الماضي في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الامريكية هو حدث تاريخي. قام الطلاب في جامعة كولومبيا بالتظاهر والاعتصام...

 
 
 

Comments


bottom of page